-A +A
عبدالرحمن بن صالح الحمادي
استيقظتُ صباحاً مكرراً روتيني اليومي؛ وعندما قُدتُ مركبتي صادفتُ أول ابتسامةٍ على وجهٍ بشريّ صباحَ يومِ عمل!.. قرّرتُ تجاهلها كي لا تفقد هذه الصباحات ميزتها الوحيدة عندي: ألا تتغيّر عليّ.. ولكنني ذُهلت بسلسلة من الوجوه المبتسمة التي يتخللها بعض الوجوه ذات الملامح المحايدة - على الأقل - وكأنّك تتأمل في مسبحة كهرمانية ما بين خَرَزٍ وفواصل!.. هنا قررت الاعتذار لـ(فيروز) التي كنت أسمعها داخل السيارة، محاولاً الإصغاء إلى الأصوات المألوفة كل صباح: منبّه المركبات، صرير عجلاتها، صرخات الممتعضين... لم تنجح مسامعي في اقتناص أيّ من ذلك! بل إنه وقع في سمعي صوتُ تغاريد الطيور، التي طالما اعتبرتُ أنها كسولة لا تستيقظ في صباحات العمل!

وعندما وصلتُ إلى ساحة المعركة المحسومة سلفاً مع الخط الأحمر.. رأيتُ ابتسامة المدير لأول مرة، وألقيتُ تحيّة الصباح بلهجةٍ فيها شيءٌ من الزّهو لمن ينتظرون دورهم للتوقيع بعدي من الزملاء، وقدّمتُ نفسي لزملاء آخرين.. لاحظتُ سطوراً على مساحات بيضاء غير مألوفة حتى أنني ترددتُ لوهلة في تدوين اسمي عليها خشية أن تكون غير مستعدة لاستقبال اسم طالما اعتبرتْهُ عضواً مرموقاً في العصابة الحمراء.. إلا أنني أحسستُ أنها تتراقص فرحاً بانتصاري النادر على الخط الأحمر الذي أعتقد أنه في مكانٍ ما يعتصره الألم لهذه الخسارة غير المتوقعة.. وأنا هنا غير عابئ بابتسامة القارئ الماكرة وهو يشبّهني بـ(دون كيخوته) وصراعه مع طواحين الهواء.


كل ذلك لم يدهشني أكثر من اكتشافي للسبب الذي جعل صباح يوم العمل يصبح بهذا الكرم؛ اكتشفتُ أنّ الابتساماتِ التي فاجأتْني في الطريق هذا الصباح، والزملاء الذين صادفتهم عند التوقيع، وابتسامة المدير وتغريد الطيور لم تكن لتحدث لولا أن خطأً في المنبّه أيقظني قبل الموعد المعتاد بخمس دقائق!

أحببتُ هذا الصباح كثيراً.. ولم أعد أرغب في أن يصبح أصدقائي كصباحات العمل: لا تتغير!